رمضان بعيدًا عن الأهل: كيف تواجه مشاعر الوحدة؟

2024-03-31 01:04:49

رمضان بعيدًا عن الأهل: كيف تواجه مشاعر الوحدة؟

رمضان بعيدًا عن الأهل: كيف تواجه مشاعر الوحدة؟      شهر رمضان فرصة فريدة للشعور بالانتماء والترابط ليس فقط بين أفراد العائلة الواحدة ولكن بين أفراد المجتمع بأكمله، حيث تقام التجمعات العائلية والاجتماعية على موائد الإفطار والمشاركة في العبادات والأنشطة التطوعية، مما يخلق جوًا رائعًا من الترابط والدفء، ولكن قد لا ينعم البعض بتلك الأجواء الرائعة، فيعانون من مشاعر الوحدة  في رمضان ويفتقرون إلى تلك التجمعات العائلية.

 

هناك بعض الأشخاص الذين لا عائلة لهم أو الذين يعيشون بعيدًا عن عائلاتهم، بسبب ظروف العمل أو الدراسة التي تضطرهم  إلى الابتعاد عن منازلهم، الأمر الذي يفقدهم الشعور بروحانيات رمضان ويصبحون في صراع بين الحنين والروحانيات لبلادهم، وفي هذا المقال سوف نقدم حلولاً من شأنها تساعد في التغلب على مشاعر الوحدة  في رمضان صراع بين الحنين والروحانيات.

 

أسباب مشاعر الوحدة  في رمضان لدى البعض:

 

جبل الله سبحانه وتعالى الإنسان على الطبيعة الاجتماعية، فالمشاركة في الحياة الاجتماعية هو سلوك نابع من فطرة الإنسان المفعمة بالأنس، وهو ما منحنا تسمية كلمة انسان عن استحقاق، ولكن هناك العديد من الأسباب التي تسبب مشاعر الوحدة في رمضان، فما هي تلك الأسباب وما هي طرق التغلب عليها؟

الألم العاطفي الناشئ عن صدمة فقد عزيز:

 

الألم العاطفي والشعور بالفراغ والحزن الذي ينتاب الشخص عند غياب شخص عزيز كان يشاركه الأعياد والمناسبات السعيدة سواء بالسفر أو بالوفاة وغيرها، يعزز من مشاعر الوحدة في رمضان لدى هؤلاء الأشخاص، ولا سيما عندما تجتمع العائلة وتتذكر الشخص الغائب وتفتقده، وتسمى هذه الحالة  بمتلازمة المقعد الفارغ.
ولكن تذكر أن الحزن لفقد شخص عزيز شعور طبيعي، وعلى الإنسان ألا ينخرط في ذلك الشعور، وإذا كان شعورك بالحزن والوحدة شديدًا، فمن المهم طلب المساعدة من متخصص في الصحة النفسية، لتخطي تلك المرحلة دون الإصابة بمشكلات نفسية كبيرة.

 

الابتعاد عن العائلة والأصدقاء:

 

تعد الطقوس الرمضانية، مثل الإفطار الجماعي وصلاة التراويح والمشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية، من أهم ما يميز شهر رمضان المبارك، لذلك بعض  الأشخاص الذين تضطرهم ظروف السفر أو العمل في أماكن بعيدة عن عائلاتهم وأقاربهم وأصدقائهم إلى الشعور بالوحدة والانعزال، بسبب فقدانهم المشاركة في تلك العادات والعبادات الجماعية.
ولكن عليهم أن يتذكروا أنهم ليسوا الوحيدون، فهناك العديد من الأشخاص الذين يعانون من ذلك الشعور بالوحدة في رمضان، وعليك أن تتعامل مع شعور الوحدة بطريقة صحيحة كما سيتم توضيحه لاحقًا للتغلب على ذلك الشعور.

 

قلة التواصل الاجتماعي:

 

في هذا العصر أصبحنا منغمسين في مشاكلنا وحياتنا الخاصة، بحيث أصبحنا ننسى الآخرين ونتجاهل من حولنا عن غير قصد، فأصبح من السهل أن تشعر بالعزلة عن الآخرين كأننا لا تنتمي إلي من حولك على الرغم من كثافة العالم من حولنا.
إلى جانب ذلك الانخراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يسبب صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية و يسبب تفاقم الشعور الداخلي بالوحدة والانعزال، مما يؤثر بشكل سلبي على المشاعر والأفكار والصحة النفسية لهؤلاء الأشخاص.
فنجد الكثير من هؤلاء الذين أشغلوا أنفسهم بوسائل التواصل الاجتماعي ولم يعودوا يرتبطوا كثيراً بما حولهم من مناسبات و أحداث روحانية مثل قدوم شهر رمضان وغيره، قد يعاني هؤلاء الأشخاص من مشاعر الوحدة  في رمضان إلى جانب الإصابة باضطرابات نفسية عديدة، وقد أشارت العديد من الأبحاث والدراسات إلى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية.

 

البعد عن الله سبحانه وتعالى:

 

الصوم هو تنمية للتقوى، والامتناع عن الآثام، والتحكم في الرغبات الدنيوية، وتقوية أرواحنا  وعقولنا، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حيث قال: "ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ" رواه أبو هريرة.

 

الشيطان همه أن يحزن أهل الإيمان عن طريق تحريضهم  على فعل المعاصي، بل ويصل قمة هدفه عندما يحرمنا من أجر الصيام والقيام، حتى يصل بنا إلى مرحلة القنوط واليأس.

ارتكاب الآثام من أهم أسباب ضيق الصدر و الطاعة من أهم أسباب الشعور بالطمأنينة والسكينة، لذلك ستجد أشد الناس همًا وغمًا الشعور بالوحدة في رمضان هم من ينفقون أوقاتهم في ارتكاب المعاصي، فتصبح تلك المعاصي نقطة سوداء في القلب، وكلما ازداد فعل المعاصي كلما أصبح القلب مظلمًا، لا يشعر إلا بالوحدة والعزلة والانكسار.

 

تأثيرات مشاعر الوحدة على الصحة النفسية:

 

تتغير نفوسنا في شهر رمضان بشكل كبير فنشعر براحة نفسية وطمأنينة وسكينة قد لا نشعر بها في باقي شهور العام، ومن عظمة هذا الشهر الكريم أن الشعور بالفرحة يبدو واحدًا لدى الجميع من الكبير والصغير والنساء والرجال، وكأن رمضان وهو يوحد ذلك الشعور الجمعي يذكرنا بفرح غاب عنا؛ فرح تدركه أرواحنا وتعبر عنه حواسنا ولكن يعجز اللسان عن وصفه.

 

يرتبط الجانب النفسي بشهر رمضان بأن الأعياد والمناسبات هي أكثر الفترات للتجمع العائلي على مدار العام، ولكن عندما يشعر البعض بالعزلة والوحدة في هذا الشهر الكريم، قد يُؤدّي هذا الشعور إلى زيادة مشاعر الأشخاص بالقلق والتوتر الأمر الذي يُؤثّر على قدرة الشخص على التركيز والمعاناة من بعض الاضطرابات النفسية، مثل اضطرابات الأرق واضطرابات النوم الأسباب والعلاج.
زيادة مشاعر التوتر أو الضغط النفسي، تؤثر بشكل مباشر على صحة الشخص الجسدية والنفسية، بل و قد يتفاقم الشعور بالقلق إلى الإصابة بالاكتئاب (Depression) في نهاية الأمر. 
وقد وجد علماء النفس أن الأمل في علاج الاكتئاب معقود على انخراط المكتئب في أسرته ومجتمعه ومشاركته في كافة المناسبات والتجمعات العائلية، حتى وإن أعلن الشخص المكتئب عكس هذا فينبغي ألا يترك بمفرده، وإلا استفحلت مشكلته أكثر.

 

كيف يتخطى البعض مشاعر الوحدة  والانعزال في رمضان؟

 

يمكن للعديد من الأشخاص أن يعانون من الشعور بالوحدة في شهر رمضان، لأسباب عديدة كما ذكرنا سابقًا، ولكن كيف يمكن للبعض أن يتخطى ذلك الشعور بالوحدة في رمضان.

 

في البداية، لابد أن يتم تحديد السبب وراء ذلك الشعور، والتعرف إلى طرق السيطرة عليه، لتجنب الإصابة باضطرابات نفسية أخرى ومن أهم طرق التغلب على الشعور بالوحدة، هي:

 

التغلب على مشاعر الوحدة  في رمضان بسبب فقدان شخص غائب أو متوفي:

 

لا يمثل تذكرُ الشخص الغائب وكرمهُ بطرق مختلفة مشكلة، مثل أن تقوم بزيارة قبره أو التبرع باسمه لجمعية خيرية والتصدق عنه والدعاء له بالعفو والمغفرة من الله سبحانه وتعالى، ولكن تكمن المشكلة في أن تصل درجة الحزن بك إلى مرحلة القنوط والجزع والتي تنتهي بك في نهاية الأمر إلى الإصابة باضطرابات نفسية عديدة.
قد يفضل الأشخاص الذين فقدوا أحد أقاربهم أو أحباءهم الابتعاد عن الآخرين، ولا سيما خلال لحظات حزنهم، لذلك فلقد أوجبت تعاليم الإسلام اهتمامًا خاصًا بهؤلاء، وقد ذكرت السنة النبوية الشريفة أنه من ضمن حقوق المسلم على المسلم هي مشاركته في المواقف التي يبدو فيها وحيدًا، بحسب ما ذكر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ”.

 

التكيف مع الغربة وما ينتج عنها من مشاعر الوحدة  في رمضان:

 

لا شك أن رمضان في الغربة يكون مختلفًا، نتيجة لافتقاد الأهل والتجمعات والزيارات العائلية أو التجمع مع الأصدقاء الأمر الذي يصنع أجواء رمضانية مبهجة، ولكن لابد على المغترب من التخلص من الصراع النفسي، فلا سبيل سوى التكيف مع الوضع المفروض على المغترب بعيدًا عن أهله وأصدقائه من أجل الاستمتاع بالشهر الكريم.
وأفضل ما يقوم به المغترب بعيداً عن بلده، هو أن يندمج في مجتمعه الجديد، لتقليل شعوره بالاغتراب والتأقلم مع ظروفه الحالية، مثل تعليق الزينة في غرفة السكن والتجمع مع الأصدقاء على مائدة الفطار، لتحسين الحالة النفسية للمغترب و التماس السعادة في الأشياء البسيطة التي بين يديه والتي تنقل له صورة مشابهة للأجواء الرمضانية التي اعتاد عليها في بلده.

 

التواصل مع العائلة والأصدقاء:

 

الوحدة ليست ابتلاء، بل ينصح بأن يكون للشخص أصدقاء وتكوين دائرة من الأهل والأقارب، ولكن عليه أن يتحرى الأصدقاء ذوي الأخلاق الحسنة الذين يعيننه على الحياة وعلى العبادة خلال الشهر الفضيل وحتى بعد انتهاء شهر رمضان.

 

ومن أفضل طرق كسب الأصدقاء والخروج من الشعور بالوحدة هي المداومة على صلاة القيام في جماعة في المسجد، فبمجرد المحافظة على الصلاة في المسجد فإن هذا يُخرجك من الوحدة ويساعدك في التعرف إلى أناسًا طيبين يتردّدون على المساجد، وتنشأ بينك وبينهم صداقة، تقلل من الشعور بالوحدة.

 

التركيز على العبادات:

 

التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والصيام والصلاة والصدقات وقراءة القرآن جميعها أعمال حسنة ترقق القلب، وتشرح الصدر وتعزز من الشعور بالطمأنينة والسكينة، وقال تعالى" الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) سورة الرعد. عندما يتقرب الإنسان من الله سبحانه وتعالى..

 

المشاركة في الأنشطة الاجتماعية:

 

المشاركة في الأنشطةِ الاجتماعية مع العائلة والأصدقاء قد تساعد في تخفيف مشاعر الوحدة  في رمضان، فعندما يتم التواصل مع شخص آخر يشعر بالوحدة و تقوم بدعمه، هذا يمكن أن يحسن من مزاجك ويجعلك تشعر بأن لديك هدف، لذلك تعلم فن اكتساب الأصدقاء الجدد وتعلم طرق التواصل مع أصدقائك القدامى.
يمكن المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والعبادات الجماعية، مثل صلاة التراويح أو المشاركة في الأنشطة التطوعية وإقامة إفطار جماعي، أو دعوة الأهل والأقارب في الإفطار، ممّا يُساعد على تكوين علاقات جديدة ويعزز من الشعور بالانتماء.

 

الخاتمة:

 

توجد بعض الأشخاص الذين يعانون من مشاعر الوحدة  في رمضان، خاصة المغتربين لظرف العمل او الدراسة بعيدًا عن عائلتهم وأصدقائهم أو الذين فقدوا أحد أحبائهم أو أشخاص مقربين لديهم، ولكن مع التواصل والعبادة والمشاركة في الأعمال التطوعية والأنشطة الاجتماعية، يتمكنوا من التغلب على مشاعر الغربة والوحدة والاستمتاع بشهر رمضان المبارك، لتجنب تفاقم تلك المشكلة والتعرض لإضطرابات نفسية عديدة.    

 

91

تهتم الأكاديمية الدولية لتطوير الذات بتقديم التدريب والاستشارات النفسية والأسرية عبر الإنترنت، وتتميز بمنهج علمي متكامل في مجالات الصحة النفسية والإرشاد الأسري، وعلاج سلوكي للإدمان، والتنمية البشرية، وتطوير الذات واللايف كوتشينج. كما توفر الأكاديمية دبلومات متخصصة في إعداد المدربين المحترفين TOT وتحليل الشخصية ولغة الجسد وأنماط الشخصية وعلم قراءة الوجوه والفراسة. وتقدم الأكاديمية خدمات مجانية لجميع الفئات والأعمار في الوطن العربي. يمكن لدينا مزيد من المعلومات عن خدماتنا وبرامجنا، يمكنك الاطلاع على المزيد من المعلومات على صفحات مقالاتنا. اقرأ المزيد.