2019-02-01 00:16:09
أمير بن محمد المدري: إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن
الحمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار، وصرف قلوبهم في طاعته ومرضاته آناء الليل وأطراف النهار.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأخيار من مهاجرين وأنصار، وعلى جميع من سار على نهجهم واقتفى آثارهم ما أظلم الليل وأضاء النهار. أمَّا بعدُ:
إن ميزان الإنسان أصدقاؤه، فقل لي من صاحبك أقل لك من أنت، فالناس تعرِف المرء صالحاً أو طالحاً من خلال من يصاحب ،بل إن من المؤثرات الأساسية في تكوين الشخصية ورسم معالم الطريق؛ الصحبة، فإن كانت صُحبة أخيار أفاضت على الأصحاب كل الخير، وإن كانت صُحبة أشرار فمن المؤكد أنها ستترك بصماتها، فصحبة أهل الشر داء وصحبة أهل الخير دواء.
إن الإنسان بطبعه وحكم بشريته يتأثر بصفيه وجليسه، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله، والمرءُ إنما توزن أخلاقه وتُعرف شمائله بإخوانه وأصفيائه،
ولقد جسّد ذلك محمّد صلى الله عليه وسلم بقوله: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» [أخرجه أبو داود بإسناد صحيح].
ولقد وجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن الجليس المصاحب أثره ظاهر على المرء ونتائجه سريعة الظهور،. ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري ا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك ،وإما أن تبتاع منه ،وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة».
إن صديق السوء لو لم تجني منه إلا السمعة السيئة لكفاك سوءاً، وصديق الصلاح لو لم يصلك منه إلا السمعة الحسنة لكفاك.
من أقسام المقالات
أخي الحبيب :
أخي الحبيب:
أنت في الناس تقـاس --- بالذي اختـرت خليـلاً
فاصحب الأخيار تعلو --- وتنل ذكــراً جميــلاً
ولا تصاحب الفساق والفاسدين فتكون مثلهم،ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدي،قال علي بن أبي طالب ا: «لا تصاحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله».
أخي الحبيب:
يجب عليك اختيار الصديق من الناس كما تختار الجميل من المظاهر، واللذيذ من الطعام، والسائغ من الشراب، فإن أهل الشر والدناءة لا يدخرون لك إلا شراً ودناءة، واعلم أنه ليس كل من كان جميل اللسان عذب الكلام دائم الابتسامة بصديق، فلربما أعجبك ملمس الثعبان ولكنه ربما لدغك.
واحذر مؤاخاة الدنيء لأنه يعدي --- كما يعدي الصحيحَ الأجربُ
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً --- إن القرين إلى المقارن ينسب
قيل لأحد الصالحين: من نُجالس? قال:«من تُذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله» .
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه --- فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم --- ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
سئل أحد السلف عن الصُّحْبة فقال: «الصحبة مع الله بحسن الأدب، ودوام الهيبة، والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم بإتباع سنته، ولُزُوم ظاهر العلم، والصُّحْبة مع أولياء الله بالاحترام والحُرْمة، والصُّحْبة مع الأهل بحُسْن الخلق، والصُّحْبة مع الإخوان بدَوَام البشر والانْبِسَاط ما لم يَكُن إثمًا، والصُّحْبة مع الجُهَّال بالدُّعاء لهم، والرحمة عليهم، ورُؤية نِعْمة الله عَليك أنه لم يبتَلِكَ بِما ابْتَلاهُم به».
أخي الحبيب: إن في مصاحبة الصالحين ثمرا مباركة منها:
1- أنت مع من أحببت : أخرج البخاري عن أنسٍ ا أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، قال : «وماذا أعددت لها؟» قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله ، فقال : «أنت مع من أحببت» ، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي : «أنت مع من أحببت» ، قال أنس: فأنا أُحبّ النبي وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.
2- النجاة من فزع ذلك اليوم : { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } [الزخرف:67-68] .
3- الانتفاع بدعائهم بظهر الغيب: شتانَ بين من يقولون: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10] ، وبين من يتخاصمون في الدنيا ثم في نار جهنّم (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) [الأعراف:38]!
4- الانتفاع بمحبة الله لمحبتهم : لأن الله قال كما في الحديث القدسي:« وجبت محبتي للمتحابين فِيَّ، والمتجالسين فِيَّ، والمتزاورين فِيَّ، والمتباذلين فِيَّ » وقال صلى الله عليه وسلم : ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان)) وذكر منها: «وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله»[ متفق عليه].
وهذه المحبة الصادقة الصافية في الله تعالى ينتج عنها علوُّ المنزلة ورفعةُ الدرجة يوم القيامة، ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم: «ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه» [متفق عليه].
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بشَّرهم بعلو منازلهم وتميّزهم عن غيرهم وسبقهم لمن سواهم وحصولهم على ما لا يحصل عليه أحد، ففي مسند الإمام أحمد أنه قال مخاطبًا أصحابه رضي الله عنهم: «يا أيها الناس، اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عز وجل عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله»، فجاء رجل من الأعراب من قاصِيَة الناس، وأشار بيده إلى رسول الله فقال: يا نبي الله، ناس من الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله! صِفهم لنا. فسُرّ وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي وقال: «هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نورًا وثيابهم نورًا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» [رواه أحمد].
5- بركة المجالس والخير الذي يعم : جاء في الحديث الطويل في فضل مجالس الذكر « فتقول الملائكة: يا رب! إن فيهم فلاناً ليس منهم، إنما جاء لحاجة، فيقول الله للملائكة: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم » [متفق عليه] لا يحرم من الفضل وإن جاء لحاجة، ما دام جلس مع الأخيار فلا بد أن يناله نصيب.
قومٌ يذكرون الله فيناديهم المنادي من السماء: ( قوموا مغفوراً لكم ) ،فما أعظم النعمة بالجلوس معهم إذا كانوا سيقومون وقد غُفِر لهم؟!
6- جلساء الخير يعرفونك على إخوان الخير فتزداد المعرفة؛ فصاحب الخير يدلك على صاحب الخير، وهكذا تزيد الاستفادة.
7- التأثر بهم: ومن ثمار صحبة الأبرار التأثر بهم والاقتداء بسلوكهم وأخلاقهم واستقامتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «المرء على دين خليله».
8- يحفظون الوقت والعمر من الإهدار:
عن أبى قلابة / قال: « التقى رجلان في السوق فقال أحدهما للآخر: تعال نستغفر الله في غفلة الناس! ففعلا ? فمات أحدهما، فلقيه الآخر في النوم، فقال: علمت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق » .
9- الشفاعة: لو لم يكن من صحبة المؤمن إلا شفاعته يوم القيامة لكفى، قال الحسن البصري /: «استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة».
من أقسام المقالات
أحب الصالحين ولست منهم --- وأرجو أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي --- وإن كنا سوياً في البضاعة
وفي ذلك ما حدّث به النبي صلى الله عليه وسلم عن المؤمنين بعد اجتيازهم للصراط: فقال«حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحدٍ بأشدَ مُناشَدَةً لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويُصلون ويحُجون! فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتُحَرَّم صورهم على النار، فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه» [رواه مسلم في الإيمان (302)].