حكاية التاجر العباسي الذي لا يخسرأبدًا:
في زمن الخلافة العباسية، عاش تاجر دمشقي ثري اشتهر بثروته الطائلة ونجاحه الباهر في جميع تجاربه. لم يذق طعم الخسارة قط، بل ازداد ثراءً مع كل صفقة دخلها وكل بضاعة باعها. وذات يوم، اجتمع التاجرالذي لا يخسر أبداً - مع أصدقائه، مزهوًا بنجاحه، وأعلن بثقة مطلقة: "أنا لا أخسر أبداً! مهما تاجرت فيه، أربح بلا استثناء!".
سخر أصدقاؤه من كلامه، معتبرين أنّه من المستحيل النجاح في كل تجارة دون أيّ خسائر. تحدّوه بأن يبيع التمر في العراق، موطن التمور، معتقدين أنّه سيفشل حتماً.
قبل التاجر التحدّي دون تردد، وانطلق شرقًا إلى بغداد
وفي ذلك الوقت، كان الخليفة العباسي، الواثق بالله، في رحلة إلى الموصل. وفجأة، فقدت ابنته قلادتها الثمينة، فحزن الخليفة بشدة وأعلن عن مكافأة ضخمة لمن يعثر عليها، ووعد بتزويج ابنته من ذلك الشخص.
وصل التاجر الدمشقي إلى مشارف بغداد، ليجد الناس يبحثون عن قلادة ابنة الخليفة بلهفة. علم بقصتهم من كبيرهم الذي قال له: وأسفاه لقد نسينا أن نجلب زاداً كبيراً لنستكمل رحلتنا ونخشى أن نعود لجلب الزاد فيسبقنا أحدهم ويعثر على القلادة قبلنا، فرأى التاجر أنها فرصة ذهبية لتحقيق ربح هائل، فقد عرض عليهم بيع التمر الذي كان يحمله، وباعه لهم بسعر باهظ، مستفيدًا من حاجتهم الشديدة وسعيهم المحموم للعثور على القلادة.
وقال لأصحابه لقد فزت في التحدي ، وصل خبر نجاح التاجر الدمشقي إلى الخليفة، فأعجب بذكائه ودهائه. أمر بإحضاره، وسأله عن سرّ نجاحه.
روى التاجر للخليفة قصة حياته المليئة بالكفاح والصبر، وكيف أنّ دعاء أمّه المخلصة كان وراء توفيقه ونجاحه.
فقال له : كنت ولدا فقيرا يتيما وكانت أمي معاقة وكنت أعتني بها منذ الصغر وأعمل وأكسب خبزة عيشي وعيشها منذ أن كنت في الخامسة من عمري ...فلما بلغت العشرين كانت أمي مشرفة على الموت ... فرفعت يدها داعية أن يوفقني الله وأن لا يرني الخسارة في ديني ودنياي أبدا وأن يزوجني من بيت أكرم اهل العصر وأن يحول التراب في يدي ذهبا وبحركة لا ارادية مسك حفنة من التراب وهو يتكلم ...فابتسم الواثق من كلامه
وإذا به يشعر بشيء غريب في يده فمسكه بيده ونظر إليه وإذا هي قلادة ذهبية وعرفتها بنت الواثق ... وهكذا من دعاء أمه كان هذا التاجر الدمشقي أول من صدر التمر إلى العراق في التاريخ وبنجاح.
تأثّر الخليفة بشدة بقصة التاجر، وازداد إعجابه به، وبفضل ذكائه ودعاء والدته، عثر التاجر الدمشقي على قلادة ابنة الخليفة، ونال مكافأة عظيمة، وتزوج من ابنة الخليفة، ليصبح صهر الخليفة الواثق ....
تُظهر لنا هذه القصة أنّ النجاح لا يأتي من دون مخاطر وتحديات، وأنّ الإيمان بالنفس والمثابرة هما مفتاح النجاح في أيّ مجال.
وتُؤكّد أيضًا على عظمة بر الوالدين ودعائهما، وأنّهما من أهمّ أسباب السعادة والتوفيق في الحياة.
قال ﷺ: ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .